سورة الزخرف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


قوله تعالى: {ومن يَعْشُ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يُعْرَضْ، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والفراء، والزجاج.
والثاني: يَعْمَ، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال عطاء، وابن زيد.
والثالث: أنه البَصَر الضعيف، حكاه الماوردي. وقال أبوعبيدة: تُظْلِمْ عينه عنه. وقال الفراء: من قرأ: {يَعْشُ}، فمعناه: يُعْرِضْ، ومن نصب الشين، أراد: يَعْمَ عنه؛ قال ابن قتيبة: لا أرى القول إلاّ قولَ أبي عبيدة، ولم نر أحداً يجيز عَشَوْتُ عن الشيء: أعرضتُ عنه، إِنما يقال: تَعاشَيْتُ عن كذا، أي: تغافلتُ عنه، كأنِّي لم أره. ومثلُه: تعامَيْتُ والعرب تقول: عَشَوْتُ إِلى النار: إِذا استدللتَ إِليها ببصر ضعيف، قال الحطيئة:
متَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نَارِهِ *** تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ
ومنه حديث ابن المسّيب: أن إحدى عينَيْه ذهبتْ، وهو يَعْشُو بالأًخرى، أي: يُبْصِر بها بصراً ضعيفاً. قال المفسرون: {ومَنْ يَعْشُ عن ذِكْر الرحمن} فلم يَخَف عِقابه ولم يلتفت إِلى كلامه {نقيِّضْ له} أي: نسبب له {شيطاناً} فنجعل ذلك جزاءَه {فهو له قرين} لا يفارقه.
{وإِنهم} يعني الشياطين {لَيَصُدُّونهم} يعني الكافرين، أي: يمنعونهم عن سبيل الهدى؛ وإِنما جمع، لأن {مَنْ} في موضع جمع، {وَيحْسَبون} يعني كفار بني آدم أنهم على هدىً.
{حتَّى إذا جاءنا} وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {جاءنا} واحد، يعني الكافر. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {جاءانا} بألفين على التثنية يعنون الكافر وشيطانه. وجاء في التفسير: أنهما يُجعلان يومَ البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يًصَيِّرَهما الله إِلى النار، {قال} الكافر للشيطان: {يا ليت بيني وبينَك بُعدَ المَشْرِقَيْنِ} أي: بُعْدَ ما بين المَشْرِقَيْن؛ وفيهما قولان:
أحدهما: أنهما مَشْرِقُ الشمس في أقصر يوم في السنة، ومَشْرِقُها في أطول يوم، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والثاني: أنه أراد المَشْرِق والمَغْرِب، فغلَّب ذِكْر المَشْرِق، كما قالوا سُنَّة العُمَرَيْن، يريدون: أبا بكر وعمر، وأنشدوا من ذلك:
أَخَذْنا بِآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ *** لَنا قَمراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ
يريد: الشمس والقمر؛ وأنشدوا:
فَبَصْرَةُ الأزّدِ مِنَّا والعِراقُ لَنا *** والمَوْصِلانِ ومِنَّا مِصْرُ والحَرَمُ
يريد: الجزيرة والموصل، وهذا اختيار الفراء، والزجاج.
قوله تعالى: {فبِئْسَ القَرِينُ} أي: أنتَ أيُّها الشَّيطان. ويقول الله عز وجل يومئذ للكفار: {ولن ينفَعَكم اليومَ إِذ ظَلَمْتُم} أي: أشركتم في الدنيا {أنَّكم في العذاب مشترِكون} أي: لن ينفعكم الشِّركة في العذاب، لأن لكل واحد منه الحظَّ الأوفر. قال المبرِّد: مُنِعوا روح التَّأسِّي، لأن التَّأسِّيَ يُسهِّل المُصيبة، وأنشد للخنساء أخت صخر بن مالك في هذا المعنى:
ولَوْلا كَثْرَةُ الباكينَ حَوْلِي *** على إِخْوانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وما يَبْكُونَ مِثْلَ أخي ولكِنْ *** أُعَزِي النَّفْسَ عَنْهُ بالتَّأسِّي
وقرأ ابن عامر: {إِنَّكم} بكسر الألف.
ثم أخبر عنهم بما سبق لهم من الشَّقاوة بقوله: {أفأنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ...} الآية.


قوله تعالى: {فإمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} قال أبو عبيدة: معناها: فإن نَذْهَبَنَّ؛ وقال الزجاج: دخلت ما توكيداً للشرط، ودخلت النون الثقيلة في {نَذْهَبَنَّ} توكيداً أيضاً؛ والمعنى: إنّا ننتقِم منهم إِن تُوفيِّتَ َأوْ نُرِيَنَّكَ ما وَعَدْناهم ووعَدْناك فيهم من النَّصر. قال ابن عباس: ذلك يومَ بدر وذهب بعض المفسرين إِلى أن قوله: {فإمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} منسوخ بآية السيف، ولا وجه له.
قوله تعالى: {وإِنه} يعني القرآن {لَذِكْرٌ لَكَ} أي: شَرَفٌ لَكَ بما أعطاكَ اللهُ {ولِقَوْمِكَ} في قومه ثلاثة أقوال:
أحدها: العرب قاطبة.
والثاني: قريش.
والثالث: جميع من آمن به. وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا سئل: لِمَنْ هذا الأمرُ من بعدك؟ لم يُخْبِر بشيء، حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا سئل قال: لقريش وهذا يَدُلُّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم فَهِم من هذا أنه يَلِي على المسلمين بحُكْم النًّبوَّة وشَرَفِ القرآن، وأن قومه يَخْلُفونه من بعده في الوِلاية لشرف القرآن الذي أُنزلَ على رجُلٍ منهم. ومذهب مجاهد أن القوم هاهنا: العرب، والقرآن شَرَفٌ لهم إِذْ أُنزلَ بلُغتهم. قال ابن قتيبة: إنما وُضع الذِّكر موضعَ الشَّرَف، لأن الشَّريف يُذْكَر وفي قوله: {وسوف تُسألونَ} قولان. أحدهما: عن شُكر ما أُعطيتم من ذلك. والثاني: عمّا لزمكم فيه من الحقوق.


قوله تعالى: {واسألْ مَنْ أرسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا} إن قيل: كيف يسأل الرُّسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه لمّا أُسري به جُمع له الأنبياءُ فصلَّى بهم، ثم قال له جبريل: سَلْ من أرسَلْنا قَبْلَك... الآية. فقال: لا أَسألُ، قد اكتَفَيْتُ. رواه عطاء عن ابن عباس. وهذا قول سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد؛ قالوا: جُمع له الرُّسل ليلةَ أُسري به، فلقَيهم، وأُمر أن يسألَهم، فما شَكّ ولا سأل.
والثاني: أن المراد: اسأل مؤمني أهل الكتاب من الذين أرسلت إِليهم الأنبياء، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي في آخرين. قال ابن الأنباري: والمعنى سَلْ أتباع مَنْ أرسَلْنا قَبْلَكَ، كما تقول: السخاء حاِتم، أي: سخاء حاتِم، والشِّعر زهير، أي: شِعر زهير. وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين. وقال الزجاج: هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم، لم يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري.
والثالث: أن المُراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: خطابُ أُمَّته، فيكون المعنى: سَلُوا، قاله الزجاج. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {إذ هُمْ منها يَضحكون} استهزاءً بها وتكذيباً.
{وما نُريهم مِنْ آيةٍ إِلاّ هي أكبرُ مِنْ أُختها} يعني ما ترادف عليهم من الطُّوفان والجراد والقُمَّل والضَّفادع والدَّم والطَّمْس، فكانت كُلُّ آية أكبرَ من التي قَبْلَها، وهي العذاب المذكور في قوله: {وأَخَذْناهم بالعذاب}، فكانت عذاباً لهم، ومعجزات لموسى عليه السلام.
قوله تعالى: {وقالوا يا أيُّها السّاحر} في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أرادوا: يا أيها العالِم، وكان الساحر فيهم عظيماً، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنهم قالوه على جهة الاستهزاء، قاله الحسن.
والثالث: أنهم خاطبوه بما تقدَّم له عندهم من التَّسمية بالسّاحر، قاله الزجّاج.
قوله تعالى: {إنَّنا لَمُهتدون} أي: مؤمنون بك. فدعا موسى فكُشف عنهم، فلم يؤمِنوا. وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في [الأعراف: 135].
قوله تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحتي} أي: من تحت قصوري {أفلا تُبْصِرونَ} عظَمتي وشِدَّةَ مُلكي.
؟! {أَمْ أنا خَيْرٌ} قال أبو عبيدة: أراد: بل أنا خَيْرٌ. وحكى الزجاج عن سيبويه والخليل أنهما قالا: عطف {أنا} ب {أمْ} على {أفلا تُبْصِرون} فكأنه قال: أفلا تُبْصِرون أم أنتم بُصَراء؟!. لأنهم إِذا قالوا: أنتَ خيرٌ منه، فقد صاروا عنده بُصَراءَ. قال الزجاج: والمَهينِ القليل؛ يقال: شيء مَهِين، أي: قليل. وقال مقاتل: {مَهِين} بمعنى ذليل ضعيف.
قوله تعالى: {ولا يكاد يُبين} أشار إِلى عُقدة لسانه التي كانت به ثم أذهبها الله عنه، فكأنه عيَّره بشيءٍ قد كان وزال، ويدل على زواله قوله تعالى: {قد أُوتيتَ سؤلكَ يا موسى} [طه: 36]، وكان في سؤاله:
{واحْلُلْ عُقْدَةً من لساني} [طه: 27]. وقال بعض العلماء: ولا يكاد يُبِين الحُجَّة ولا يأتي ببيان يُفْهم.
{فلولا} أي: فهلاّ {أُلْقِيَ عليه أسَاوِرَةٌ مِنْ ذهبٍ} وقرأ حفص عن عاصم: {أسْوِرةٌ} بغير ألف. قال الفراء: واحد الأساوِرة: إِسْوار، وقد تكون الأساوِرة جمع أسْوِرة. كما يقال في جمع الأسْقِية: الأساقي، وفي جمع الأكْرُع: الأكارِع. وقال الزجاج: يصلُح أن تكون الأساوِرة جمع الجمع، تقول: أسْوِرَة وأساوِرة، كما تقول: أقوال وأقاويل، ويجوز أن تكون جمع إسْوار. وإنما صرفتَ أساوِرة، لأنك ضممتَ الهاء إِلى أساوِر فصار اسماً واحداً، وصار له مثال في الواحد نحو علانية.
قال المفسرون: إِنما قال فرعون هذا لأنهم كانوا إذا سوَّدوا الرجل منهم سوَّروه بِسِوار.
{أو جاء معه الملائكةُ مُقْتَرِنِينَ} فيه قولان: أحدهما: متتابعين، قاله قتادة. والثاني: يمشون معه، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {فاستَخَفَّ قومَه} قال الفراء: استفزَّهم؛ وقال غيره: استخَفَّ أحلامَهم وحملهم على خِفَّة الحِلْم بكيده وغُروره {فأطاعوه} في تكذيب موسى.
{فلمّا آسَفُونا} قال ابن عباس: أغضبونا. قال ابن قتيبة: الأسَف: الغَضَب، يقال أسِفْتُ آسَفُ أسَفاً أي: غَضِبْتُ.
{فجَعَلْناهم سَلَفاً} أي: قوماً تقدَّموا. وقرأها أبو هريرة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وحميد الأعرج: {سُلَفاً} بضم السين وفتح اللام كأن واحدته سُلْفَةٌ من الناس، مثل القِطعة، يقال: تقدمتْ سُلْفَةٌ من الناس، أي: قِطعة منهم. وقرأ حمزة، والكسائي: {سُلُفاً} بضم السين واللام، وهو جمع سَلَف، كما قالوا: خَشَب وخُشُب، وثَمَر وثُمُر، ويقال: هو جمع سَلِِيفٍ وكلُّه من التقدُّم وقال الزجاج: السَّلِيف جمعٌ قد مضى، والمعنى: جعلْناهم سَلَفاً متقدِّمين ليتعظ بهم الآخرون.
قوله تعالى: {ومثلاً} أي: عبرة وعظة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5