قوله تعالى: {ومن يَعْشُ} فيه ثلاثة أقوال:أحدها: يُعْرَضْ، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والفراء، والزجاج.والثاني: يَعْمَ، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال عطاء، وابن زيد.والثالث: أنه البَصَر الضعيف، حكاه الماوردي. وقال أبوعبيدة: تُظْلِمْ عينه عنه. وقال الفراء: من قرأ: {يَعْشُ}، فمعناه: يُعْرِضْ، ومن نصب الشين، أراد: يَعْمَ عنه؛ قال ابن قتيبة: لا أرى القول إلاّ قولَ أبي عبيدة، ولم نر أحداً يجيز عَشَوْتُ عن الشيء: أعرضتُ عنه، إِنما يقال: تَعاشَيْتُ عن كذا، أي: تغافلتُ عنه، كأنِّي لم أره. ومثلُه: تعامَيْتُ والعرب تقول: عَشَوْتُ إِلى النار: إِذا استدللتَ إِليها ببصر ضعيف، قال الحطيئة:متَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلى ضَوْءِ نَارِهِ *** تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِومنه حديث ابن المسّيب: أن إحدى عينَيْه ذهبتْ، وهو يَعْشُو بالأًخرى، أي: يُبْصِر بها بصراً ضعيفاً. قال المفسرون: {ومَنْ يَعْشُ عن ذِكْر الرحمن} فلم يَخَف عِقابه ولم يلتفت إِلى كلامه {نقيِّضْ له} أي: نسبب له {شيطاناً} فنجعل ذلك جزاءَه {فهو له قرين} لا يفارقه.{وإِنهم} يعني الشياطين {لَيَصُدُّونهم} يعني الكافرين، أي: يمنعونهم عن سبيل الهدى؛ وإِنما جمع، لأن {مَنْ} في موضع جمع، {وَيحْسَبون} يعني كفار بني آدم أنهم على هدىً.{حتَّى إذا جاءنا} وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {جاءنا} واحد، يعني الكافر. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {جاءانا} بألفين على التثنية يعنون الكافر وشيطانه. وجاء في التفسير: أنهما يُجعلان يومَ البعث في سلسلة، فلا يفترقان حتى يًصَيِّرَهما الله إِلى النار، {قال} الكافر للشيطان: {يا ليت بيني وبينَك بُعدَ المَشْرِقَيْنِ} أي: بُعْدَ ما بين المَشْرِقَيْن؛ وفيهما قولان:أحدهما: أنهما مَشْرِقُ الشمس في أقصر يوم في السنة، ومَشْرِقُها في أطول يوم، قاله ابن السائب، ومقاتل.والثاني: أنه أراد المَشْرِق والمَغْرِب، فغلَّب ذِكْر المَشْرِق، كما قالوا سُنَّة العُمَرَيْن، يريدون: أبا بكر وعمر، وأنشدوا من ذلك:أَخَذْنا بِآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ *** لَنا قَمراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُيريد: الشمس والقمر؛ وأنشدوا:فَبَصْرَةُ الأزّدِ مِنَّا والعِراقُ لَنا *** والمَوْصِلانِ ومِنَّا مِصْرُ والحَرَمُيريد: الجزيرة والموصل، وهذا اختيار الفراء، والزجاج.قوله تعالى: {فبِئْسَ القَرِينُ} أي: أنتَ أيُّها الشَّيطان. ويقول الله عز وجل يومئذ للكفار: {ولن ينفَعَكم اليومَ إِذ ظَلَمْتُم} أي: أشركتم في الدنيا {أنَّكم في العذاب مشترِكون} أي: لن ينفعكم الشِّركة في العذاب، لأن لكل واحد منه الحظَّ الأوفر. قال المبرِّد: مُنِعوا روح التَّأسِّي، لأن التَّأسِّيَ يُسهِّل المُصيبة، وأنشد للخنساء أخت صخر بن مالك في هذا المعنى:ولَوْلا كَثْرَةُ الباكينَ حَوْلِي *** على إِخْوانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِيوما يَبْكُونَ مِثْلَ أخي ولكِنْ *** أُعَزِي النَّفْسَ عَنْهُ بالتَّأسِّيوقرأ ابن عامر: {إِنَّكم} بكسر الألف.ثم أخبر عنهم بما سبق لهم من الشَّقاوة بقوله: {أفأنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ...} الآية.